تعرف على موضوع خطبة الجمعة اليوم في المساجد

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة بعنوان: "إِنَّمَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرآنَ فَغَيَّرَ مَعْنَاهُ"، وذلك في إطار جهودها لمواجهة الفكر المتطرف والتأويلات المنحرفة للنصوص الدينية.
وأكدت الوزارة أن الخطبة تهدف إلى توعية المصلين بخطورة الفكر المغلوط، الذي يستخدم النصوص الدينية لتبرير العنف، مشددة على أهمية فهم القرآن الكريم فهماً صحيحاً وفق مقاصد الشريعة وروح الإسلام السمحة.
كما تتناول الخطبة الثانية ضوابط التعامل مع السائحين، مشيرة إلى ضرورة استقبالهم بحفاوة، والتزام الأخلاق الكريمة، وعدم استغلالهم أو الإساءة إليهم، بما يعكس صورة الإسلام الوسطية، ويظهر الوجه الحضاري لمصر وشعبها.
ودعت وزارة الأوقاف الأئمة إلى الالتزام بنص الخطبة أو بجوهرها على أقل تقدير، مع عدم تجاوز الزمن المحدد لها، حفاظًا على وحدة الموضوع وتحقيق الأثر المنشود.
نص خطبة الجمعة اليوم 9 مايو 2025
إنما أتخوف عليكم من رجل آتاه الله القرآن فغير معناه.
الحمد لله رب العالمين، هدى أهل طاعته إلى صراطه المستقيم، وعلم عدد أنفاس مخلوقاته بعلمه القديم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها أحدًا فردًا صمدًا، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه وخليله، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختامًا للأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الفكر المظلم يقود أصحابه إلى مهاوي التطرف والعنف، فيشوه جمال ديننا الحنيف، ويطوع نصوص الوحيين الشريفين لنشر خطاب القبح والدمار والتخريب، والتشويه، والكراهية، يرتدي أصحابه قناعًا خادعًا، مزخرفًا بآيات وأحاديث، قلوبهم خاوية من الفهم العميق لروح الشريعة، وقد وصفهم البيان المعظم وصفًا عجيبًا، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».
عباد الله، ألم تشاهدوا بأعينكم كيف استغل المتطرفون قدسية النصوص ليبرروا جرائمهم البشعة تحت مفاهيم الحاكمية والجاهلية والولاء والبراء بناء على تأويل فاسد لمقاصد الوحيين الشريفين؟! أيها الكرام، ألم ترق دماء المسلمين أنهارًا تحت شعارات العصبة المؤمنة، والطائفة المنصورة- كما يزعمون!
ألا ترون أيها الناس أنهم حولوا الدين إلى سيف مصلت على رقاب المخالفين، بدلًا من أن يكون نورًا يهتدى به، ورحمة تهدى إلى العالمين؟! هل يعقل أن يكون جوهر الدين هو التضييق والتعسير، بدلًا من التيسير ورفع الحرج؟! وكأن الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه ينظر من وراء الحجب، ويرى الغيب من ستر شفيف، ويصف واحدًا من هؤلاء وصفًا عجيبًا، فيقول صلى الله عليه وسلم-: «إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه، وكان ردئًا للإسلام، غيره إلى ما شاء الله، فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك».
أرأيتم أيتها الأمة المرحومة كيف تورط هذا الرجل الذي سري نور القرآن إليه، فتحول إلى صانع للمعرفة، قائم بالاستنباط، ينحت المفاهيم والنظريات من آيات القرآن، ولكن قادته الحماسة والانفعال والكبر، فتولدت على يده مفاهيم ونظريات وقواعد، حافلة بتركيب الآيات بعضها ببعض على نحو مغلوط، فخرج بنتائج في غاية البعد والغرابة، غابت عنه خريطة العلوم والأدوات والمقاصد التي يستعين بها العلماء بحق، فدخل إلى القرآن بنظريات وأفهام، انتزعها من القرآن عنوة، فقول القرآن ما لم يقله، ونسب إليه نقيض قصده، مرتكبا في سبيل ذلك تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين «إنما أتخوف عليكم رجل آتاه الله القرآن فغير معناه».
عباد الله، تلك هي نماذج التدين الشكلي الذي يقتصر على ترديد الشعارات دون تدبر، وعلى اتباع الظواهر دون فهم المقاصد، لقد استبدلوا جوهر الإيمان بالتزمت الأعمى، ورحمة الإسلام بالغلظة والقسوة، يرون في الاختلاف تهديدًا، وفي التنوع انقساما، وينصبون أنفسهم حراسا للعقيدة، يفرغون الدين من محتواه الروحي والأخلاقي، ويحولونه إلى قوالب جامدة لا حياة فيها، ويشيعون الفساد والإفساد في الأرض، فكان الفهم المغلوط منهج حياتهم، وحمل السلاح وسيلتهم، وتدمير الدول والأوطان أسمى غايتهم، وصدق فيهم قول الله جل جلاله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض}.
ولكن أبشروا أيها المصريون، فكم من موجات غلو وتطرف حاولت أن تجتاح ساحتنا، فكان الأزهر الشريف هو السد المنيع والحصن الحصين، فهو نهر العلم والمعرفة الذي روى ظمأ أجيال متعاقبة، وحماهم من سراب الأفكار الهدامة، فاقدروا له قدره، وانشروا وسطيته، وتذوقوا جمال وجلال خطابه، وحصنوا أنفسكم وأولادكم بالعلم النافع، والفهم المستنير، والتدين الحقيقي الذي يلامس القلوب بالنور والرحمة والسلام والإكرام.
*
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فاعلم أيها النبيل أن للوافد على بلادنا الكريمة من السائحين والزائرين واجب حسن الاستقبال والمعاملة الطيبة الحسنة، فكن معهم كريم الأخلاق، جميل المعشر، أظهر تدينك الحقيقي الذي يقبل الآخر، ويسمح للسائح بالاستمتاع بآثار بلادنا العظيمة محاطا بأسمى آيات الإكرام والنبل والترحاب، فقد دخل السائح بلادنا التي يكرم من دخلها بوثيقة سفر هي عقد واجب الوفاء، وإن شئت فاقرأ هذا الأمر الإلهي {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، وقوله جل جلاله: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}.
أيها المكرم، إن السائحين مكرمون في بلادنا بعقد وعهد، فلا غش لهم ولا خداع ولا استغلال ولا تحرش يظهرك بأخلاق متدنية! واعلم أن قدوم الزوار والسياح إلى بلادنا فرصة عظيمة لتعريفهم بحقيقة الإسلام ومحاسنه العظام، فقدم لهم طيب الكلام وجميل الأفعال، فوالله إن القلوب والنفوس تتأثر بالأفعال أكثر من تأثرها بالأقوال، فكيف يكون الحال وهم يستمعون إلى الأذان وإلى القرآن، ويرون المصلين في المساجد ركعًا سجدًا، ويندهشون من أحوال أهل الله وعبادتهم وأنت تفعل معهم النقائص؟! فلا تكن متخلفًا عن الركب، وأظهر للدنيا جمال تدينك وفطرتك، وروعة أخلاقك وخصالك.
أيها المبجل، أعلن عن جمال بلادك بجمال أخلاقك، وأظهر الصورة الصحيحة للدين والأخلاق، وكن فاعلًا للخير داعية إليه، قال الله جل جلاله: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.
اللهم ابسط على بلادنا مصر بساط الأمل والنور والفيض والإكرام، وافتح لنا البركات من السماء والأرض.