الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 مـ 03:10 مـ 7 ربيع آخر 1447 هـ
بوابة المواطن المصري

بين تونس ومصر: كيف تعيد السياحة رسم هويتها من جديد

قطاع السياحة في شمال إفريقيا يمر بمرحلة تجديد لا تشبه ما عرفناه سابقاً، وتحديداً في تونس ومصر.

تأثرت الأسواق هنا بسلوك المسافرين المتغير، والأزمات الاقتصادية، وتدفق تقنيات رقمية لم تكن مألوفة قبل أعوام قليلة.

لم تعد الجاذبية تقتصر على الشواطئ أو الآثار فقط، بل تحولت المنافسة نحو تقديم تجارب متنوعة تجمع بين الأصالة والابتكار الرقمي والترفيه العصري.

الأمر اللافت أن كل مدينة سياحية بدأت تعيد التفكير في هويتها، وتبتكر في العروض التي تقدمها لجذب الزوار سواء من داخل البلاد أو خارجها.

هذا المقال يستعرض بعيون عملية كيف تتغير ملامح السياحة بين تونس ومصر، ويكشف الاتجاهات التي تدفع القطاع نحو مرحلة جديدة كلياً من النمو والجذب.

كيف غيّر الابتكار الرقمي مشهد السياحة بين تونس ومصر

صار من المستحيل تقريباً تخيل رحلة سياحية ناجحة دون لمسة رقمية، خاصة بين تونس ومصر.

أصبح الاعتماد على الحجوزات الإلكترونية والتخطيط الذكي جزءاً من الروتين اليومي للمسافرين الجدد.

لم يعد الزائر مضطراً للانتظار في طوابير الفنادق أو المكاتب السياحية، فاليوم يمكنه ببضع نقرات أن يحجز غرفة في نزل تقليدي بسيدي بوسعيد أو رحلة على النيل بالقاهرة.

التطبيقات الذكية باتت ترشد السائحين خطوة بخطوة، سواء للتنقل في أزقة المدينة العتيقة بتونس أو لاكتشاف معالم الجيزة بعيداً عن الزحام.

من أبرز التحولات، برزت مجالات الترفيه الرقمي كجزء مكمل لتجربة السفر، حيث ازدادت شعبية الألعاب الإلكترونية ومنصات كازينو عبر الانترنت تونس.

هذا التوجه يُظهر كيف تنفتح الوجهة السياحية على التجارب العالمية وتمنح الزوار خيارات ترفيه متنوعة تتناسب مع عاداتهم الرقمية الجديدة.

حتى المطاعم والمتاحف استغلت حلول الدفع الإلكتروني والترويج الرقمي لجذب الزوار المحليين والدوليين بسرعة ومرونة أكبر.

ما يلفت الانتباه هو قدرة القطاع السياحي في كلا البلدين على التقاط نبض السوق والاستثمار فيه، ما يمنح السياحة وجهاً أكثر حداثة واتصالاً بالعالم.

كيف تعيد تونس ومصر صياغة هويتهما السياحية بين الأصالة والتجديد

الرهان الأكبر أمام السياحة في تونس ومصر هو تقديم تراثهما الثقافي الهائل بطريقة تستقطب الجيل الجديد من الزوار.

فالأجيال الشابة تبحث عن تجربة مختلفة، تتجاوز مجرد زيارة الآثار إلى تفاعل أعمق مع الثقافة المحلية.

تجد الوجهات في البلدين نفسها اليوم أمام معادلة صعبة: الحفاظ على الأصالة التاريخية وفي الوقت نفسه التجديد بأساليب العرض والأنشطة.

في القاهرة، لاحظت كيف تحولت بعض الأحياء القديمة إلى منصات للفن المعاصر والموسيقى، مما أعاد الحياة لمناطق كانت منسية.

أما في تونس العاصمة وسوسة، فالتجارب التفاعلية وورش الحرف اليدوية جذبت زواراً يبحثون عن لمسة شخصية وحكاية حية وراء كل معلم.

هذا المزج بين العمق الثقافي وروح العصر يصنع قيمة مضافة ويعيد تعريف صورة السياحة العربية للعالم.

تجارب سياحية أصيلة مع لمسة عصرية

لم يعد الاكتفاء بجولة كلاسيكية حول الأهرامات أو المدينة العتيقة في تونس كافياً لجذب المسافرين الجدد.

الآن، نجد فعاليات فنية حية تقام وسط الأسواق القديمة، مثل عروض الرسم أو الموسيقى الشعبية التي يشترك فيها الجمهور.

هناك أيضاً ورش للطبخ التقليدي يشارك فيها الزائرون لصنع الكسكس أو الفطير المصري بأنفسهم تحت إشراف طهاة محليين.

بل بدأت بعض المواقع التاريخية توظيف التكنولوجيا مثل الواقع المعزز لإحياء قصص القدماء بأسلوب مشوق وتفاعلي.

هذه المبادرات تمنح الضيف شعوراً بأنه جزء من المشهد وليس مجرد متفرج عابر، وهو ما أصبح سر جذب شريحة أوسع من المسافرين حول العالم.

دور المجتمع المحلي في إعادة رسم الصورة السياحية

ما يميز التجربة السياحية الحديثة أن السكان المحليين صاروا شركاء فعليين لا مجرّد خلفية للمشهد.

الكثير من المبادرات الجديدة تعتمد على دعم الحرفيين وأصحاب المشاريع الصغيرة، من ورش الفخار والزجاج اليدوي إلى بائعي المنتجات الزراعية العضوية في القرى الريفية حول الأقصر أو قفصة.

المبادرات الشبابية مثل جولات الدراجات وصناعة محتوى رقمي يعكس الوجه الحقيقي للمدن أصبحت عنصر جذب للأجيال الجديدة الباحثة عن تجارب أصيلة وغير نمطية.

إبراز القصص الإنسانية وراء كل وجهة أو منتج محلي يمنح الزائر إحساساً بالتواصل والمعنى الحقيقي للسفر، بعيداً عن القوالب الجاهزة والتسويق التقليدي المعتاد.

الاستدامة والمسؤولية البيئية في السياحة الحديثة

الاهتمام المتزايد بقضايا البيئة أصبح واقعاً ملموساً في قطاع السياحة بتونس ومصر.

لم يعد الحفاظ على الموارد الطبيعية مجرد خيار، بل تحول إلى عنصر أساسي في استراتيجية الوجهات السياحية لجذب الزوار الذين يبحثون عن تجارب ذات أثر إيجابي ومسؤول.

لاحظت خلال زياراتي الأخيرة كيف باتت الحملات التوعوية والمبادرات الخضراء تحتل مكانة متقدمة ضمن برامج الترويج للسياحة، سواء عبر مواقع التواصل أو شراكات مع منظمات محلية.

هذا التحول لا يقتصر على حماية الطبيعة فحسب، بل يعكس رغبة الوجهات في بناء صورة جديدة تعتمد على القيم البيئية والاجتماعية وتلبي تطلعات الأجيال الشابة التي تهتم بالمسؤولية المجتمعية.

السياحة البيئية: من الصحراء إلى الشواطئ

أصبح مفهوم السياحة البيئية أكثر حضوراً بين تونس ومصر، مع تنوع العروض التي تركز على استكشاف المحميات الطبيعية والمناطق البكر.

في تونس، برزت مناطق مثل دجّة وجبال خمير برحلات المشي والتخييم البيئي، بينما تشتهر مصر بمحمياتها في سيناء ووادي الجمال حيث يمكن للزوار مراقبة الحياة البرية والنباتات النادرة.

الكثير من الشركات المحلية تقدم اليوم برامج تعتمد على احترام البيئة، بما يشمل استخدام معدات صديقة للطبيعة وتدريب المرشدين على مبادئ الحماية الحيوية.

المخيمات الصحراوية والشاطئية لم تعد مجرد مكان للإقامة بل أصبحت منصة للتوعية البيئية وتنمية وعي الزائر حول أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية.

مبادرات الفنادق والمنشآت السياحية الخضراء

قطاع الضيافة بدوره يشهد تحولاً ملحوظاً نحو الممارسات الخضراء في تونس ومصر.

كثير من الفنادق اعتمدت تقنيات لتقليل استهلاك الطاقة والمياه مثل أنظمة الإنارة الذكية وإعادة استخدام المياه الرمادية للحدائق.

برامج إعادة التدوير أصبحت أمراً معتاداً لدى منشآت عدة، كما انتشرت المبادرات التي تشجع تقديم المنتجات المحلية المستدامة سواء في المطاعم أو متاجر الهدايا داخل الفنادق.

أحد الأمور التي لاحظتها شخصياً هو ازدياد حملات توعية النزلاء بأهمية المشاركة في حماية البيئة أثناء إقامتهم عبر نشر تعليمات بسيطة وملصقات تفاعلية في الغرف والمرافق العامة.

التحديات والفرص الجديدة للسياحة في ظل الأزمات

مرّت السياحة في تونس ومصر بفترات قاسية خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع تقلبات الاقتصاد والأزمات الصحية العالمية.

هذه الظروف أظهرت مدى هشاشة القطاع، لكنها كانت أيضاً حافزاً لإعادة التفكير في الأساليب التقليدية لجذب الزوار.

ما لاحظته خلال متابعتي لتقارير السوق أن المرونة أصبحت سمة أساسية للقطاع، حيث بدأ الفاعلون بالبحث عن حلول مبتكرة وتطوير نماذج عمل تتناسب مع الواقع الجديد.

من أبرز التغييرات كان التركيز على الأسواق المحلية والإقليمية بدل الاعتماد الكلي على السائح الأجنبي، إلى جانب تسريع التحول نحو الخدمات الذكية والاستثمار في البنية التحتية الحديثة.

التحول نحو السياحة الداخلية والإقليمية

دفعت الأزمات المتكررة إلى توجه لافت نحو تنشيط السياحة الداخلية في كل من تونس ومصر.

بدأ المواطنون يعيدون اكتشاف مدنهم وقراهم، مع زيادة الطلب على الرحلات القصيرة والإقامات المحلية بعيداً عن الحشود المعتادة.

لاحظت ازدهار برامج جديدة تستهدف المواقع الأقل شهرة، مثل القرى الجبلية بتونس أو الواحات الهادئة في مصر، ما ساهم بإحياء الاقتصاد المحلي ودعم المجتمعات الصغيرة.

أصبحت الرحلات ذات الطابع الثقافي والتجارب الطبيعية خياراً مفضلاً لدى فئة الشباب والعائلات الراغبة باستكشاف جمال بلادها بدون الحاجة للسفر خارجياً.

الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الذكية

اتجهت الحكومات والشركات السياحية إلى تطوير مشاريع بنية تحتية رقمية وذكية لمواكبة المتغيرات وتحفيز التعافي.

شملت هذه الجهود تحديث المطارات والموانئ، وإطلاق أنظمة نقل ذكية تُسهّل حركة السائحين بين المناطق المختلفة.

ما أعجبني فعلاً هو الاستثمار المكثف في خدمات الدفع الإلكتروني وتطبيقات الحجز عبر الإنترنت، الأمر الذي جعل تجربة الزائر أكثر سهولة وأماناً خاصة بعد أزمة كورونا.

هذه المبادرات تعكس رغبة حقيقية لدى القطاع لتقديم خدمات عصرية تواكب تطلعات المسافرين وتدعم الاستدامة طويلة المدى للسياحة المحلية والإقليمية.

خاتمة: ملامح مستقبل السياحة بين تونس ومصر

خلال السنوات الأخيرة، أثبتت السياحة في تونس ومصر مرونتها وقدرتها على التغيير في مواجهة التحديات.

الدمج الذكي بين التكنولوجيا الحديثة، والاهتمام بالاستدامة، والحفاظ على الطابع الثقافي منح الوجهتين قدرة متجددة على جذب الزوار.

التطور الرقمي يفتح آفاقاً جديدة أمام المسافرين الباحثين عن تجارب فريدة وسهلة الوصول.

في الوقت نفسه، الاهتمام المتزايد بالبيئة يعزز مكانة الوجهات التي تراعي المسؤولية الاجتماعية وتقدم أنشطة صديقة للطبيعة.

مع استمرار هذا المزيج من الابتكار والاعتزاز بالجذور، من المتوقع أن تزداد حركة السياحة وتنمو فرص الاستثمار، لتصبح تونس ومصر وجهتين أكثر إشراقاً وتنوعاً لزوار المنطقة والعالم.